دور المراجع الداخلى فى دعم الاستدامة الرقمية للشركات: توقيت واستقلال وظيفة المراجعة الداخلية كمتغيرين معدلين

مقدمة :

في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها عالم الأعمال نتيجة التطور التكنولوجي والرقمنة، برزت الحاجة إلى تعزيز مفاهيم الاستدامة الرقمية كإطار استراتيجي لضمان استمرارية الشركات وقدرتها على التكيف مع المتغيرات البيئية والاقتصادية. وتتمثل الاستدامة الرقمية في قدرة المؤسسات على دمج التقنيات الرقمية بطرق تضمن الكفاءة، وتقليل الأثر البيئي، وخلق القيمة لأصحاب المصلحة (السيد، 2015(George et al. 2020;
ويشهد العالم المعاصر تحولًا جذريًا في نماذج الأعمال نتيجة التطورات المتسارعة في مجالات التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات الضخمة. هذا التحول فرض على الشركات واقعًا جديدًا يستلزم إعادة هيكلة استراتيجياتها التشغيلية والرقابية بما يتوافق مع مفاهيم الاستدامة الرقمية، التي لا تقتصر فقط على تبني الحلول التقنية، بل تتعداها إلى دمج البعد الرقمي في جميع جوانب الحوكمة المؤسسية، وتعزيز الشفافية، والابتكار المستدام (El-Kassar & Singh, 2019).
تعد الاستدامة الرقمية امتدادًا لمفهوم الاستدامة الشاملة، حيث تُعنى بكيفية استخدام التقنيات الرقمية لتحقيق النمو الاقتصادي دون الإضرار بالبيئة أو إغفال الجوانب الاجتماعية. وتواجه الشركات في هذا السياق تحديات متزايدة تتعلق بإدارة المخاطر الرقمية، وحماية الخصوصية، وضمان الامتثال للمعايير الدولية، وهي قضايا تستوجب وجود أنظمة رقابة فعالة تواكب هذا التطور السريع.
من هنا تبرز أهمية وظيفة المراجعة الداخلية كركيزة أساسية في دعم الانتقال نحو الاستدامة الرقمية، وذلك من خلال تقديم رؤى مستقلة وموضوعية تساعد الإدارة على اتخاذ قرارات قائمة على تحليل شامل للمخاطر والفرص المرتبطة بالتحول الرقمي. ولا يقتصر دور المراجع الداخلي على الكشف عن مواطن الضعف في نظم المعلومات أو الرقابة، بل يمتد إلى تقديم توصيات استراتيجية تعزز التكامل بين الأبعاد البيئية والاقتصادية والتكنولوجية (IIA, 2020).
غير أن فاعلية هذا الدور تتأثر بعوامل تنظيمية قد تقلل من استقلالية أو توقيت تدخل المراجع الداخلي، وهما عاملان محوريان في ضمان جودة وموثوقية تقارير المراجعة المتعلقة بالاستدامة الرقمية. فـتوقيت التدخل يعكس مدى قدرة المراجع الداخلي على المشاركة المبكرة في مراحل التخطيط الرقمي، مما يمكنه من التأثير بشكل استباقي، لا تفاعلي، في توجيه السياسات والإجراءات. أما الاستقلال، فيمثل حجر الأساس الذي يضمن الحيادية والمهنية، ويحول دون التأثر بالضغوط الإدارية التي قد تعيق فاعلية المراجعة (Pajuelo‐Moreno et al., 2024).
وتهدف هذه الورقة إلى دراسة العلاقة بين دور المراجع الداخلي في دعم الاستدامة الرقمية وفعالية هذه الوظيفة في ظل وجود متغيرين معدلين هما التوقيت والاستقلال. وستتناول الورقة تحليلًا نظريًا وتطبيقيًا لكيفية مساهمة المراجعة الداخلية في بناء بنية تحتية رقمية مستدامة، مع التركيز على أهم التحديات التي تواجهها الشركات في هذا المجال، خاصة في الأسواق الناشئة.
كما تسعى الى سد الفجوة في الأدبيات بين مفاهيم الحوكمة الرقمية والمراجعة الداخلية، من خلال اقتراح نموذج تحليلي يعكس التداخل بين وظائف المراجعة وإدارة المخاطر والاستراتيجية الرقمية، مما يسهم في إثراء المعرفة الأكاديمية ويدعم متخذي القرار في تصميم بيئات رقابية متطورة.